بسم الله الرحمن الرحيم
بيان فضل الأصوليين الفقهاء
هذه مقالة جمعتها من بعض الكتب لبيان فضل الأصوليين الفقهاء في معرفة الحكام الشرعية وانهم هم العمدة في اخذ احكام الفقه عنهم إن جمعوا بين علم الدراية وفقه الرواية
ذلك انه قد ظهرت دعاوي من بعض من ينتسب للعلم تستنقص من اللأصوليين والفقهاء،وتدعوا إلى اخذ الفقه كمن المحدثين ناسين او متناسين فضل الأصوليين وجاهلين التفريق بين الفقهاء المحدثين،وبين المحدثين الذين لا علم لهم بالأصول وقواعد الإستنباطنوبين الفقهاء الذين لا علم لهم بالحديث والرواية
حكى القاضي عياض رحمه الله في "ترتيب المدارك"(3/231) في ترجمة عبد الله بن وهب رحمه الله قال:" قال يوسف بن عدي ادركت الناس فقيها غير محدث ومحدثا غير فقيه،خلا عبد الله بن وهب فإني رأيته فقيها محدثا زاهدا..."
قلت:والشاهد هو تقسيم الناس إلى فقيه غير محدث ومحدث غير فقيهنوبين جامع بينهما
فالفقهاء المحدثون هم الضالة المطلوبة،وغيرهم هم الضارة المغلوبة
ذلك انه لا يستقيم فقه بلا حديث،قال التهانوي رحمه الله في "إنهاء السكن"(314)/: ولا يخفى ان الفقه لا يتيسر بدون حفظ الحاديث والآثار،وأقوال الصحابة والتابعين وإختلافهم ومعرفة الناسخ والمنسوخ،من السنن وغيرها...".
ولذلك عند قراة كتب المتعصبة من الفقهاء الغير محدثين لا تجد احاديث او أيات وغنما تجد التخريجات والتفريعات والتقليدات وتجد من المسائل التي لم ينزل الله بها من سلطان،كما لا يخفى ذلك على من له ادنى نظر في مثل هذه الكتب.
وكذلك لا يستقيم حديث بلا فقه،ذلك أن الكثير من المحدثين الذين لم يتقنوا الفقه و قواعد الإستنباط،لإذا سالهم احدهم عن مسالة فقهية لا يجهلها صغار المتفقهين،يجيب عنها بما يكون وصمة عارا له أبدا الآبدين
فيصلي احدهم الوتر بعد الإستنجاء مباشرة من غير إحداث لوضوء ويستدل على هذا العمل بقوله صلى الله عليه وسلم"من استجمر فليوتر"،ومعناه غير الذي فهم
ويفهم آخر منهم حديث "نهى ان يسقي الرجل ماءه زرع أخيه" المنع من سقي بساتين الجيران،مع ان المراد عدم نكاح المراة حتى ينتهي الحمل من غيره وتنتهي عدتها
وسأل احدهم في مجلس تحديثه عن دجاجة وقعت في بئر فقال للسائل:ألا غطيتها حتى لا يقع فيها شيء؟؟؟
وسئل احدهم عن الحالف بصدقة إيزاره فقال:بكم إشتريته،فقال بإثنتي عشرة درهم،قال:إذهب وصم إثنا عشرة يوما،فلما ذهب السائل،جعل المفتي يتأوه ويقول غلطنا امرناه بكفارة الظهار
وسئل احدهم عن فأرة وقعت في بئر فقال:البئر جبار،وقال معاصر منهم بان للنحل ملكا وليست ملكة،واستدل بقوله صلى الله عليه وسلم" لا يفلح قوم ولوا إمره إمرأة"،إلى غير ذلك من الفتاوى
فلا بد من الجمع بين الحديث والفقه كما هو شان الإئمة الأرعة أبو حنيفة ومالك والشافعي وغيرهم وكما هو شان المحققين من اهل العلم مثل الطحاوي والخطابي وابن عبد البر والنووي وابن العربي وابن تيمية وابن دقيق العيد وابن حجر والصنعاني والشوكاني والمباركفوري وغيرهم رحمهم الله،ولذلك فالكثير مما يرجحه هؤلاء هو الراجح كما هو معلوم،لجمعهم بين الفقه والحديث.
وهذا ما قرره الخطابي وعلي القاري رحمهم الله
قال الخطابي في مقدمة"معالم السنن" (1/5):"ورأيت اهل العلم في زماننا قد إنقسموا فرقتين،أصحاب حديث وأثر،واهل فقه ونظر،وكل واحدة منهما لا تتميز عن اختها في الحاجة،ولا تستغني عنها في درك ما تنحوه من البغية والإرادة،لأن الحديث بمنزلة الأساس الذي هو الأصل، والفقه بمنزلة البناء الذي هو كالفرع،وكل بناء لم يوضع عن قاعدة وأساس فهو منهار،وكل أساس خلا عن بناء وعمارة فهو قفر وخراب "اه
وقال القاري في "أدلة معتقد أبي حنيفة"(41) ما نصه:" قال الأقدمون: المحدث بلا فقه كعطار غير طبيب،فالأدوية حاصلة في دكانه ولا يدري لماذا تصلحه،والفقيه بلا حديث كطبيب ليس بعطار يعرف ما تصلح له الأدوية إلا انها ليست عنده"
وقبل ان أسوق بعض الأثار في بيان فضل الفقهاء اود التنبيه عن شيء مهم يجهله الكثير
وهو ان بعض من عرف بالرأي من المتقدمين اعلم بالحديث والأثر من المتاخرين ناهيك عن المعاصريين
قال الذهبي في "زغل العلم"(13):" وكم من رجل مشهور بالفقه والرآي في الزمن القديم أفضل في الحديث من المتاخرين،وكم من رجل من متكلمي القدماء أعرف بالأثر من سنية زماننا"
قلت:فما بالك زماننا،زمان أنصاف المتعلمين،زمان الحمقى والمغفلين،فإلى المقصود:
روى القاضي عياض في "ترتيب المدارك"(1/138) :" عن أبن أويس قال: سمعت مالكا يقول:غن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذونه،لقد
ادركت سبعين ممن يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند هذه الأساطين وأشار إلى المسجد، فما أخذت عنهم شيء، وإن احدهم لو أتمن على بيت مالا لكان امينا،إلا انهم لم يكونوا من اهل هذا الشأن-يعني الفقه وا؟لإستنباط-"
وفي رواية ابن وهب عنه كما في "ترتيب المدارك"(1/138) :" أدركت بهذه البلدة أقواما لو استسقي المطر بهم لسقوا قد سمعوا العلم والحديث كثيرا ما حدثت عن احد منهم شيء،وهذا الشأن يعني الحديث والفتيا يحتاج إلا رجل ذو غتقان وفهم،فيعلم ما يخرجح من رأسه وما يصل إليه غدا،فاما رجل بلا غتقان ولا معرفة فلا ينتفع بهنولا هو حجة ولا يؤخذ عنه"
وكذلك ما حكاه القاضي عياض في "ترتيب المدارك"(3/20) في ترجمة محمد بن دينار قال: قال:" قال سحنون:كان مالك وعبد العزيز بن أبي سلمة ومحمد بن دينار يتداولون إلى ابن هرمز،فيسألونه فيجيب مالك وعبد العزيز ولا يجيب محمد بن دينار،فتعرض له ابن دينار وقال له: لما تستحل مالا يحل لك نسالك فلا تجيبنا،ويسألك مالك وعبد العزيز فتجيبهما،فقال له ابن هرمز:إني كبرت سني وانا اخاف ان يكون خالطني في عقلي مثل الذي خالطني في جسمي،ومالك وعبد العزيز فقيهان عالمان،يسألان الشيء فأجيبهما،فما رآياه من حق قبلاه، وما رآياه من خطأ تركاه،وانت ودونك ما أجبتكم به قبلتموه " اه
ثم حكى في ترجمة عبد الله بن وهب(3/231) قال:"قال يوسف بن عدي: أدركت الناس فقيها غير محدث ومحدثا غير فقيه،خلا عبد الله بن وهب فإني رأيته فقيها محدثا زاهدا،قال بن وهب:لولا ان الله انقضني بمالك والليث لضللت،فقيل له كيف ذلك،فقال:أكثرت من الحديث يعني إختلافه وتعارضه،فحيرني،فكنت اعرض ذلك على مالك والليث فيقولان خذ هذا ودع هذا " اه
وفي "تاريخ الإسلام" للذهبي(6/178) في ترجمة زفر بن هذيل:" قال الفضل بن دكين:كنت امر على زفر فيقول لي: تعال حتى أغربل لك ما سمعت،وكنت اعرض عليه الحديث فيقول: هذا ناسخ ،هذا منسوخ،هذا يؤخذ به،هذا يرفض " اه
وجاء في "الحلية" لأبي نعيم (6/360) في ترجمة سفيان الثوري:" عن سليمان بن حيان قال: كنا نصحب سفيان الثوري قد سمعنا ممن سمع،إنما نريد منه تفسير الحديث " اه
وجاء في "منهاج السنة" للشيخ الإسلام (4/115):" قال احمد بن حنبل:معرفة الحديث والفقه فيه احب إلي من حفظه،وقال علي بن المديني: أشرف العلم الفقه في متون الحاديث،..." اه
وجاء في "تدريب الراوي" للسيوطي (81):" وقال العمش:حديث يتداوله الفقهاء خير من حديث يتداوله الشيوخ،.."
وجاء فيه أيضا(81):" ولا زم إنسان احمد بن حنبل في حضوره مجلس الشافعي وتركه مجلس سفيان بن عيينة،فأنكر عليه الرجل،فقال له أحمد: أسكت فإن فاتك الحديث بعلوه تجده بنزوله،وإن فاتك عقل هذا الفتى أخاف ان ألا تجده " اه
وقال القاضي في "ترتيب المدارك"(1/91):" قال احمد بن حنبل: ما زلنا نلعن اهل الرآي ويلعنوننا،حتى جاء الشافعي فمزج بيننا "
قال القاضي عياض (1/91):" يريد انه تمسك-أي الشافعي- بصحيح الأثار،وأستعملها ثم أراهم ان من الرأي ما يحتاج إليه وتبنى احكام الشرع عليه، وانه قياس على أصولها،ومنتزع منها،وآراهم كيفية إنتزاعها والتعلق بعللها، وتنبيهاتها،فعلم أصثحاب الحديث ان صحيح الآي فرع للأصل،وعلم اهل الرأي انه لا فرع إلا بعد أصل،وانه لا غنى عن تقديم السنن وصحيح الأثار أولا ".
قلت:وهذا المزج الذي قصده الإمام احمد رحمه الله والقاضي عياض ألفه في كتابه "الرسالة"
هذا ما جمعته في هذه المقالة،فما كان من صواب فمن الله وحده،وما كان من خطا غمن نفسي ومن الشيطان
فسبحانك اللهم وبحمده أشهد ان لا إله إلا انت أستغفرك واتوب إليه
كتبه أبو عبد العظيم سفيان بن احمد الباتني الأوراسي
نهاية السنة الثالثة فقه وأصول